التعاضد بين الاستحسان والأدلة الأخرى (القياس، والمصلحة المرسلة انموذجاً)

Section: العدد 33/2 من مجلة كلية العلوم الاسلامية المجلد 25 لسنة 2025 الجزء الثاني

Abstract

الحمد لله القائل في محكم التنزيل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)ﱠ([1])، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على إمام الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:


فإن بناء الأحكام الشرعية واستنباطها من مصادرها الأصيلة ليس مجرد عملية جمع نصوص متفرقة، بل هو نسق علمي محكم يتطلب فهماً عميقاً لآليات الاستدلال وتفاعلات الأدلة فيما بينها، وفي هذا السياق، يبرز مفهوم "تعاضد الأدلة" كأحد الركائز الأساسية التي تمنح الأدلة الشرعية والقضايا الأصولية قوتها ومتانتها، لا يعني التعاضد مجرد تضافر الحجج، بل هو ائتلافها وتآزرها لتشكيل بناء معرفي متين لا يتطرق إليه التفكك أو الوهن، مما يعزز اليقين ويدفع الشك.


يمثل التعاضد حالة ارتقاء في مسيرة الاستدلال، فبينما قد يقف الدليل الواحد على قدر من الظنية، أو يكون محلاً للاختلاف في فهمه، يأتي تعاضده مع دليل آخر أو مجموعة أدلة ليرفع من درجته، ويزيل اللبس عنه، ويقوي جانبه الترجيح، فأئمة الأصول لم يكتفوا بالبحث عن الأدلة الجزئية، بل سعوا إلى الكشف عن العلائق والوشائج التي تربط بينها، ليصوغوا أحكاماً تتسم بالشمولية والرسوخ.


إن البحث في تعاضد الأدلة يفتح آفاقاً واسعة أمام المجتهد، يمكنه من خلالها أن يتجاوز حدود الدليل المنفرد ليبلغ مراتب أعلى من الاطمئنان المعرفي، إنه المنهج الذي يضمن للفتوى أن تكون مبنية على أركان راسخة، وأن تكون قادرة على الصمود أمام شبهات المعترضين وتحديات الواقع المتغير، فكيف تتجلى صور هذا التعاضد في المنظومة الأصولية؟ وما هي آثاره في استنباط الأحكام وترجيحها؟ هذا ما سنتناوله في تحليل مفهوم التعاضد، وذلك من خلال دراسة تعاضد الأدلة المختلف فيها.


ومن تلك الأدلة (الاستحسان) والذي يقتضي دراسته أن نبينه بياناً موجزاً من حيث التعريف والتعاضد بينه وبين الأدلة الأخرى: (كالقياس، والمصلحة المرسلة).


 


([1]) سورة الأنبياء: الآية (١٠٧).

Download this PDF file

Statistics